هادم اللذات

 في كل يوم أشتاق لشخص تواري تحت الثري، كان يومًا ما يسكن الغرفة المجاورة لغرفتي، أشعر بالغربة الشديدة، لا لغيابه، بل لأنه مات، أتقبلُ الموت كفكرة منذ موته بصدر رحب، و أواجه صعوبة في تقبل الحياة بشكلها الراهن منذ موته أيضًا

أشعر بالغربة في العالم بعد موته لأن العالم مكان غريب، الناس فيه لا يذكرون الموت إلا نادرًا، في حين أنهم يعلمون يقينًا أنه أمر جلل ينتظرنا جميعًا، و هذه ليست دعوي للكئابة و لكن "مراجعة فكرية قوية" كما كان يقول هو لما يحرك الإنسان في صباح كل يوم، السعي واجب، و لكن عندما ننغمسُ في سعينا هل يظلُ واجبًا أم يتحول لمجموعة مُغريات نسعي وراءها؟ 

الإنسان سهل الإنجراف جدًا، الأنظمة و الإعلام و الشركات التجارية و كل ذي قوة حتي لو كانت خفية يدفعه تجاه توجهات بعينها، ولا أخفيكم سرًّا ألاحظ نفسي عندما أنجرف، فأحاول جاهدةً أن أقوّمها، و أعود للعالم مرة أخري محاولةً أن أضع كل شيئ في موضعه، السعي سعي، الأهداف واضحة، و المغريات خطرة عليّ الحذر منها، و *كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ* (185)- آل عمران

ثم أشتاق إليه، فأشعر بالغربة، لا لغيابه، بل لموته، في عالم لا يذكر الموت أصلاً

Comments

Popular posts from this blog

عن الحب

عن الحلم التنموي

هل الفن جميل أم تعبير؟