عن الحب

بمناسبة إنتهاء الحرب في غزة وبالتزامن مع استئناف الحكومة المصرية قهر وظلم أبناء شعبها يتجدد تلقائيًا الأمل والإيمان بغد أفضل تتحقق فيه الأحلام وتُنتزع فيه خناجر القهر من صدور المقهورين وتُسترد فيه الحقوق المسلوبة إلي أهاليها يتحرر الأسري وتحيا ذكري الشهداء رغم أنف الجميع! وفجأة بدون مقدمات في لحظة غير مخطط لها نلقي الحب. 

ما هو الحب؟ سألت نفسي والآخريين مرارًا وتكرارًا ما هو الحب؟ عندما اسأل نفسي هذا السؤال يتبادر إلي ذهني صوت فؤاد المهندس وهو يقول: "أجمل حاجة في الدنيا أن الإنسان يحب، والأجمل منه أنه يحب ويتحب، بتبقي الجنة"، أود شكر عقلي علي هذه الإجابة الغير ملائمة للسؤال أصلاً لأنها لم تجب عليه. دعونا نسأل السؤال من ناحية مختلفة علنا نجد إجابة شافية، كيف ينشأ الحب؟ هل ينشأ الحب مع أول نظرة أم مع أول لقاء حقيقي للأرواح أم نختلقه نحن نتيجة لرغبتنا الملحة في إيجاد الحب؟ هل ينشأ الحب تحت ضغط إقتراب موعد إنتهاء سن الزواج المقبول إجتماعيًا؟ أم ينشأ نتيجة الاحتياجات العاطفية الغير ملباه للطفل الداخلي لكل منا؟ هل يعتقد الإنسان الغلبان أن تعاسته ومشكلاته النفسية ستُحل فقط بوجود حب في حياته؟ حينها يكون مخدرًا لا يكون حبًا، نعم الحب يساعدنا علي التعافي والتشافي، يحررنا من قيود لا نعلم أنها تُقيدنا أصلاً، يشفينا من جروح لم نعلم بوجودها من قبل، لكن من ظن أنه ليس في الحب تضحية ومسؤولية فهو مازال معتنق الأفكار البدائية السطحية الساذجة عن الحب. 

أتفق مع فؤاد المهندس أن الحب من أجمل الأشياء في الحياة، الحب ثاني أجمل شيئ في الحياة بعد إيجاد الله ومعرفته وعبادته والأنس به، لكن الفكرة القاصرة الغير ناضجة عن الحب أنه عدم قدرتك علي العيش بدون المحبوب ولو للحظة واحدة ما هي إلا دليل علي نمط تعلق غير آمن اكتسبناه من الطفولة ولم نعالجه أبدًا، والتعلق هو الوجه الغير ناضج للحب، تري فهل التجنب والتخلي هو الوجه الناضج للحب؟ التعلق والتجنب وجهان لعملة واحدة وهي الخوف، ولكن أمر الحب أكبر من ذلك أيضًا، الحب أن تتعلم متي تتمسك ومتي ترخي قبضتك وتطلق العنان للمحبوب أن يختارك أو أن يهجرك بدون الرغبة في الانتصار للنفس منه، يقول البعض الحب أن تطير وتحلّق عاليًا، أقول الحب أن تسكُن أخيرًا وتلقي موطنك بعد طول غربة، يقول البعض الحب أن تتغير لأجل من تحب، أقول الحب أن تجد من يحبك تمامًا كما أنت ومن ثم تسمح لنفسك ويسمح لنفسه عن طيب نفسٍ  أن تتناغما معًا كما تتناغم الآلات الموسيقية مع بعضها لعزف مقطوعة جميلة متجانسة وغير مفهومة. 

صراحةً لم أجد تعبيرًا عن الحب أبلغ من وصف القرآن أنه سكن، ولم أجد مسبب للحب في كل ما قرأت من روايات وكتب وحتي أفلام سوي ذلك التعريف الذي قرأته من ست أعوام في رواية تحكي قصة مجاهد علي طريق الشهادة وفتاة صعبة المراس غير محجبة ولا تشبهه ظاهريا في أي شيئ لكنهما أحبا بعضًا لأنهما كانا يشبهان بعض علي مستوي أعمق حتي من الفكر والعاطفة علي مستوي الروح، أعلم أن أصدقائي البرجماتيين سيسألوني الآن عن ما هي الروح وسيلعنوني ألف مرة لأني أسرد أفكارًا لا علاقة لها ببعض، أقول لهم أن الروح هي انعكاس القيم والنوايا والمعتقدات علي أفكار وأفعال ومشاعر الإنسان، وهذا تعريف الأمة الفقيرة إلي الله نوال، ولا تتسرعوا في الحكم أن سردي غير متسق، بالنسبة لي هو متسق للغاية، ماذا لو رأيتم عقلي! 

فبالرجوع للحب، يقول الفلاسفة أنه ليس هناك سبب منطقي للحب وإلا يزول بزوال السبب، أتفق معهم نسبيًا، العقل البشري القاصر لا يستطيع دائمًا الإلمام بتداخلات الروح مع العقل مع العاطفة لاسيما إذا كانت مرتبطة بشخص آخر، ولكننا قد نحبُ أحدًا علي أساس مرضي ظنًا منا أننا أحببناه صدقًا، ولكن مشاعرنا تجاهه في حقيقة الأمر لا تكون سوي إنعكاس لجراحنا التي لم تشفي، او استسلامنا لوطئة احتياج ما بداخلنا.. 

في رأيي أصدق من عبر عن الحب هو كافكا في رسائله إلي ميلينا، كافكا لم يطمح في علاقة مع ميلينا، حيث أنها كانت متزوجة ودعونا الآن من تحليل مدي حرمانية وغير أخلاقية أفعاله، لكني أطرح بشكل مجرد، فكرة أن يحب إنسانًا إنسانًا آخرًا يقطن مدينة بعيدة، ولا سبيل لهذا الحب، حينها تكون المشاعر مجردة من كل شيئ من الأمل والحلم والمستقبل، حينها يكون الحب حبًا فقط، أو كما قالت حبيبتي فيروز: "أهواك بلا أملِ، وعيونك تبسمُ لي" 

أقول أيضًا، أن شكوكو عبر عن الحب بطريقة صادقة وجميلة وتشبه مصرًا الغنية ثقافيًا وفكرًا وعاطفةً، طريقة تشبهني وتشبه مصرًا التي أحبها:

"حلو الحلو بكل خصاله

إلا دلاله ميعجبنيش

قالوا بيهجر 

قولت وماله! 

يهجر يهجر بس يعيش.." 

نعم، نحبُ وتمضي الحياة، ونمضي نحن، سعداء وراضون بكل ما تعطينا الحياة، وكل ما تسلبُنا الحياة، نحب وننضج وننمو ونتعلم أن السعادة يحققها الإنسان لنفسه قبل أن يحققها له الحب، ومع ذلك، "أجمل حاجة في الدنيا أن الإنسان يحب" بصوت فؤاد المهندس.

أخيرًا أختمُ حديثي ببيتين لتميم البرغوثي: 

ويا ياسمينُ خُلقتُ خجولاً

سوي في اثنتين الهوي والغضب

ولم أكتب الشعر فيك ولكن 

أحبّكِ من نفسه فانكتب.. 


Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog

عن الحلم التنموي

هل الفن جميل أم تعبير؟