عن الحلم التنموي
المكان: غرفتي الدافئة الجميلة التي تشبهني.
الزمان: يوم ربيعي، أبريل ٢٠٢٥.
السياق: مجموعة علاجية عن بُعد لتعلم مهارات العلاج الجدلي السلوكي.
"أنا بصراحة عندي مشاعر حزن شديدة بتخليني في بعض الأحيان بنام ١٤ ساعة في اليوم وبحس بالتوهة طول اليوم وبعدم الرغبة في عمل أي شيئ"
بنظرة حانية قالت معالجتي التي تعرفني جيدًا منذ أعوام ونتشابه علي المستوي الروحي كثيرًا:
"أنا عارفة يا نوال أنه الفقد بيكون صعب عليك، بتتألمي لما بتفقدي حاجة أو حد بتحبيه"
"تقصدي فقد ايه؟"
"أقصد فقد شغلك وأحلامك"
هل يحزن الإنسان فقد علي حلمه، أم علي عمله، أم علي كل شيئ أحاط عمله وحلمه؟
-
المكان: جامعة القاهرة العريقة الأصيلة الشاهدة علي الثورات والحراك والأحلام الوردية بغد أفضل وحتي قصص الحب النقية.
الزمان: ٢٠١٩
السياق: فتاة جامعية تبلغ من العمر ١٨ عامًا مليئة بالحب والأفكار والتأملات حول الأشياء داخل محاضرة لمادة التسويق.
"علشان تبقي ماركتير شاطر، لازم تمسك أي منتج قدامك وتعرف تبرز مميزاته وتبيعه للعميل"
بنظرة إزدراء تساءلتُ ما الهدف من بيع كل شيئ، ما الهدف أساسًا في البيع، لو الهدف التربح، فأيضًا لمَ؟ ولماذا بهذه الشراهة وبكل هذا الضغط؟
الإجابة: نظام إقتصادي رأسمالي.
هنا وُلد الحلم التنموي وبدأ يخطو خطواته الأولي ويتعثر ويتعلم الكلام ويفتح عيناه البريئتان أمامي في ذلك الوقت تحديدًا، متسائلاً لماذا لا تمتلك الناس الحرية والكرامة لتقرر مصائرها وتحقق أحلامها؟ من هنا بدأت رحلتي الثرية للغاية مع حلمي التنموي البريئ.
بدأت أبني قناعاتي وتجاربي التنموية، قناعة تلو القناعة وتجربة تلو التجربة، في البداية قررت أن أذاكر الاقتصاد وخصوصًا الاقتصاد الكلي المعني بالنظام الاقتصادي للدولة وسياساتها المالية والاقتصادية وأن أشرحه بشكل مبسط في نشاط طلابي لزملائي وزميلاتي في الجامعة. في العام الذي يليه وفي النشاط الطلابي نفسه، كنت مقتنعة أن الشباب لا يحتاجون فقط للتوعية بالاقتصاد، بل توعية تشمل الثقافة والمجتمع والمؤسسات المجتمعية المختلفة، بدأت مشروعًا مهتمًا بالتعليم المدني، الذي لم أعرف أسمه حينها، لكن أردت وقتها تعليم زملائي وزميلاتي الطلاب عن الاستهلاك وتاريخ التعليم الجامعي والمادية والمؤسسات المجتمعية، بدأت ذلك المشروع وحدي بعقل قلق، وأوصال مرتجفة، وقلب محب ومغامر، وبإيمان بحق الناس في العلم والحرية والقوة!
بعدها بدأ الحلم التنموي يكبر يومًا بعد يوم، صار يناقشني في قراراتي ويملي عليّ ماذا أفعل، وبالرغم من كوني صعبة المراس إلا أن الحب أعمي، وأنا لم أحب الحلم التنموي حبًا عاديًا، بل أحببته وآمنت به وسهرت وقاومت لأجله، في الحقيقة أنا لم أحب حبًا عاديًا قط، حبي دائمًا متفاني وقوي ومحارب ومؤمن وحالم، أخذني الحلم التنموي للتدريب في مركز بحثي، ومن ثم لزمالة تابعة لمؤسسة مرموقة، وظللت أتبع حلمي التنموي حتي أصبح شابًا في مقتبل العمر، لم يعد طفلاً بريئًا، ولا حتي مراهقًا متمرّدًا يجوب الحياة بحثًا عن نفسه.
عليّ أن أعترف، كان الحلم التنموي شابًا صادقًا مجتهدًا، لم يكن قويًا، بالكاد كادت تقتله الطعنات التي تلقاها، لولا أنه حاول جاهدًا أن لا يستسلم، لكن ثمة شيئ ما تحطم بداخله، وكما هو الحال، في جميع النظريات التي تحلل الشعوب والأفراد المقهورة، كان الحلم التنموي يشعر بالقهر والضياع بعد عدد لا بأس به من الطعنات المستمرة.
-
المكان: العالم بأسره، وكل من له حلم تنموي
الزمان: يناير ٢٠٢٥
السياق: قرر الرئيس صاحب الشعر البرتقالي قطع التمويلات الأمريكية عن جميع بلدان العالم.
كان ذلك بمثابة صدمة للحلم التنموي الشاب المحب الحالم والمجروح، ظل يتساءل، هل كنت مخطئ أن تواجدتُ من البداية؟ هل آذيتك يا نوّولة؟ -هو يحب أن يناديني بهذا الأسم-، هل كان يجب عليك أن تجهضيني عندمًا كنت طفلاً وأن تلقي بالاً أكثر من ذلك لمحاضرة التسويق؟ هل كان يجب علينا أن نفترق عندما واجهتنا المصاعب؟ هل الحرية والحب والسلام والإرادة أوهام مريحة؟
بأنامل مرتجفة، ربتتُ علي كتفه ولم أستطع أن أنظر إلي عينيه الباكيتين وخلدتُ للنوم.
بعد أيام، أجبرني علي مواجهته وقال لي أنه يجب علي أن أفكر بمنطقية وأن أتركه وراء ظهري، وافقته رأيه ولكن الغصة في قلبي لم تفارقني، تارة تمزق أحشائي وتارة توافقه الرأي وتدفعني وترمي بي بعيدًا عن الحلم التنموي، تارة أتشبث بالأمل وأخبره أن ذا الشعر البرتقالي لن يحدد مصيره وأن النضال لأجل الحرية شرف وأنه يمكن أن يتغير ويتشكل كما نتشكل جميعًا لنتأقلم مع متغيرات الحياة، وأن الحلم التنموي المدعوم من الغرب هو حلم مزيف ويحمل طابع استعماري، ظللتُ أدافع عنه وأحميه من العالم ومن نفسه، حتي أستنفذتُ طاقتي كاملةً، آخر مرة التقيته، تركته في المشفي، كان يصارع بين الحياة والموت، مغلقًا عيناه، وأنا أجلس بجانبه تملؤوني الهزيمة، أمسكتُ بيده، هو لا يراني، لكن أعلم أنه قد يسمعني، طمأنته أني من البداية آمنتُ به ونضجنا أنا وهو سويًا وكنا شجعان في ساحات المعارك التي خضناها، وأنني أؤمن به رغم إرهاقي وخيبة أملي، وأني دائمًا سأحاول لأجله، تركته علي أجهزة المشفي، لا أعلم متي سأعود ولا حتي كيف، لكنني سأجد طريقة ما، كما وجدتُ طريقة ما دائمًا، أخبرني شخص عزيز أني دائمًا أجد طريقة ما للتغلب علي الصعاب، لم أخبره، ولكني للتغلب علي الصعاب أتقبل الكثير من الهزائم، وأقفُ من جديد، ربما، فقط ربما، هي مسألة وقت وسأذهب للحلم التنموي بدواء ينقذه من الموت، هناك دائمًا مساحات للإبداع وللإبداع في المقاومة، مادمنا قررنا أن نحيا قبل أن نموت..
-
المكان: غرفتي الدافئة الجميلة التي تشبهني
الزمان: يوم ربيعي، مايو ٢٠٢٥
السياق: لحظات تأمل مع الذات
يا الحلم التنموي
أرجوك لا تحتضر
فأنا، أؤمن، وكما قال الشاعر:
"بقولة احنا مش أنا في المعمعة والضرب!"
Comments
Post a Comment