الخير و الشر في عالم الكبار
خير، شر، أبيض، أسود..
عندما كنت طفلة كنت أري العالم من خلال عدسات لم أخترها، لكنها كانت مسلّمات في عالم الصغار، للفيلم الكرتوني بطل طيّب و قوي و سيغير العالم و ينقذه من كيد البطل الشرير.
ظللتُ محتفظة بالمنظور نفسه لسنين طويلة، تتغير المعطيات و لا يتغير المنظور ابدًا، حتي فوجئت في يومٍ من الأيام أني أشبه البطل الشرير في بعض الأشياء. عندها أصابني الحزن أيامًا و ليال طويلة، هل أنا أشبه صورة الشر المظلمة القاسية التي أحتفظ بها للشر في مخيلتي (لكل شيئ في مخيلتنا صورة، للصداقة صورة، للحب صورة، للألم صورة).
البطل الشرير دائمًا مكروه، دائمًا مرفوض، و لا يفكر أحدٌ في أمره، شره كان من ضمن المسلمات، و لكن هل سأل أحد الشرير يومًا ما لماذا هو شرير؟
في الأغلب الشرير نفسه لن يمتلك إجابة لهذا السؤال و بالرغم من ذلك هو يحمل الإجابة بداخله، فمثلاً إذا سألت أحدهم لماذا أنت غاضب و إندفاعي تجاه كل من ينتقدك سيخبرك أنه لا يتقبل النقد، و أنت قد تنعته بالغرور سرًّا، لكنك لن تسافر عبر الزمان لطفولته لتراه لا يحظي بأي قبول، و علي النقيض الكثير من الإتهامات و الأوصام و الإنتقادات التي توجه للطفل الذي لم تتضح ملامح شخصيته بعد أصلاً، أنت لن تري كل ذلك، لكن ستري سلوكه شديد العدوانية عندما يوجه له نقد.
عندما سبحتُ في أعماق نفسي وجدتُ أن ما ظننته شرًا و لونته لونًا أسودًا كان في الحقيقة ماضي من التجارب التي لم أتمعن فيها مع نفسي لأفهم ما خلفته وراءها من آثار بداخلي، التي بالتبعية تنعكس علي سلوكي.
و مع ذلك أنا أُفرق جيدًا بين الإستسلام و بين القبول مع عدم الموافقة. و هنا يأتي الجانب الآخر من القصة، هل سأل أحدهم البطل الطيّب من قبل هل كل ما يحمله في قلبه خير؟
إذا كان الطيّب يتمتع بقدر من الشفافية سيخبرك أنه-لا ريب-يمتلك قدرًا لا بأس به من الشر بداخله، يروّضه أحيانًا، و يغلبه الشر أحيانًا.
"و من يوق شُح نفسه فأولئك هم المفلحون"
إذا أعتبرنا أن الشُح (البخل) في موقفنا هذا هو الشر، فالوقاية تكون لما هو موجود أصلاً، و إلا كيف سنقي أنفسنًا شيئًا ليس موجودًا؟ و ما تظهره الآية هو وجود الشر، و وجوب مراقبة النفس و سؤالها الدائم عن دوافعها، لأن الشر-بكل بساطة-قد يأتي في هيئة إنتصار للنفس في نقاش تكبرنا علي الإعتراف بخطأنا فيه.
"و أما من خاف مقام ربه*و نهي النّفس عن الهوي*فإنّ الجنّة هي المأوي"
بالرغم من تعريف الهوي الشائع السطحي إلا أن الهوي يحوي بداخله كل شيئ يحتمل قدر من الشر تحدثنا أنفسنا به، الهوي قد يكون كلمة، قد يكون فكرة أو حتي أمنية.
بالرغم من أني لا أحب عالم الكبار إلا أنه علّمني كيف أكون أكثر قبولاً لإنسانيتي، و علمني أن قصة البطل الطيّب و الشرير قصة غير واقعية تفصل الخير و الشر عن بعضهما البعض و الحقيقة أنهم مترابطان جدًا، لا ينفصلان، قد يكون الفارق بينهم لحظات. علمني أيضًا أن الأفكار السيئة واردة، و حتي الأفعال الشريرة واردة.
عندها أنتهت صدمتي، فكرتُ في أن أمضي تعاقدًا مع أحد القنوات الفضائية للأطفال لأطرح عليهم فكرتي في تجسيد الشخص الشرير كشخص ذو إحتياجات لا يحظي بها، و له آلام لا يعرف كيف يتعامل معها.
Comments
Post a Comment