الزمان أم المكان؟

علاقتي بالزمان و المكان بدأت عندما كنت في صف من صفوف المدرسة لا أتذكر أي منهم بالأخص، كل ما أذكره أني تعلمت حينها أن الزمان و المكان ظرفان منصوبان
تتوالي الأيام، و يخفقُ قلبي من ألم الفقد لأول مرة، لأتعلمُ حينها أنه يمكن لشخص واحد أن يكون مكانًا أو زمانًا، يمكن لشخص واحد أن يكون البيت أو الطفولة، و إذا كان شخص ما المدرسة مثلاً، فهو زمانٌ و مكانٌ معًا
يأخذنا هذا إلي الحقيقة، فمثلاً إذا مثلت لي إحدي صديقاتي المقربات المدرسة هل هذه هي حقيقة المدرسة؟ هل المدرسة بكل فصولها و نوافذها و حوائطها و بقاعها هي صديقتي فقط؟ بالطبع لا، لكن لكل منا حقيقته التي يبنيها هو بنفسه و إختياره، الحقيقة أمر نسبي جدًا يختلف من شخص لآخر، و لا يجوز فيه السؤال أو الإعتراض أو طلب التفسير
في رواية "رأيت رام الله" يطرح مريد إشكالية العيش في المكان أم الوقت و يصرُّ إصرارًا شديدًا أنه يعيش بكل جوارحه في الوقت لا المكان، ذلك لأنه عند إيابه لرام الله بعد ثلاثين عامًا من الغربة لم يشعر المشاعر نفسها التي شعرها في طفولته، بل شعر مشاعر أخري، لذلك قال أننا نعيش في الزمان لا في المكان
أحببتُ "رأيتُ رام الله" جدًا، و أشعر بإمتنان لمُريد، لأن روايته حقيقية، أو بالأحري أقرب لحقيقتي أنا النسبية. و مع ذلك أستوقفتني قضية الزمان و المكان تلك
نحنُ نستطيع لمس الأماكن بأوصالنا، نستطيع أن نشم رائحتها، لذلك يمكن أن نعود إليها، أما الزمان فيتسرب و مهما حاولنا التشبث به نفلت قبضته ولا تلمسه أي من جوارحنا أبدًا، في هذه الحالة إذا أعتبرنا القلب من الجوارح فإنه الوحيد الذي يستطيع أن يُحكم إمساك الذكري، ربما لذلك عندما نعود للمكان بدون الزمان لا يعني لنا أي شيئ، و حقيقةً الزمانُ بدون المكان لن يعني أي شيئ أيضًا، الإثنان مرتبطان جدًا، الأمر هنا يكمن في عجزنا للرجوع بالزمن، و إذا عاد الزمان و المكان بدوننا لن تعني الذكري أي شيئ. لذلك أختلفُ مع مريد في فصل الزمان و المكان عن بعضهما.
أما عن سؤال أين نعيش؟ فالإجابة هنا كالحقيقة نسبية، أو لأنها جزء من الحقيقة أصلاً و لكل حقيقته، فبعض الناس يعيشون في الزمان لأنه كل ما تبقي لهم إذا أرغموا علي ترك المكان، حتي أنهم يكرهون أن يعودوا للمكان بدون الذكري، هنا هم يظنون أنهم يعيشون في الوقت فقط في حين أنهم يحملون المكان في ثنايا ذاكرتهم
و أناس آخرين يرفضون ترك المكان، لأنهم يريدون أن يلمسوه بأيديهم. و البعض ينحي كل الأماكن و الأوقات و الذكريات جانبًا و يعيشُ في اللاشيئ لأنه لا يقوي علي مجابهة الماضي، الشاهد أن كل إنسان يختار أين و ماذا يعيش.
أفقتُ فجأة و تذكرت أني الآن طالبة جامعية أدرس إدارة الأعمال و لا علاقة لي بإعراب الزمان و المكان منذ تخرجي من المدرسة، لكنهما لا يغادراني أبدًا لذلك أخترتُ أن أدع ركنًا شاغرًا في قلبي لذكرياتي
أنت ذكرياتي و أنا ذكرياتك و الأماكن و الأوقات ذكرياتُنا:)

هذا المقال إهداء لمريد البرغوثي الشاعر و المؤلف الفلسطيني السبعيني الذي لن يري إهدائي، و لكني أردتُ إهداءه مقالي علي أي حال.

Comments

Popular posts from this blog

عن الحب

عن الحلم التنموي

هل الفن جميل أم تعبير؟