قصة الإنسان
بطلة الرواية حاولت الإنتحار بشكل سلمي جدًا و كأنها تحتسي قهوتها الصباحية في شرفة منزلها الهادئ في فصل الربيع. حدثت نفسها أنه ليس هناك معني للحياة، لذلك هي تُفضل الموت لأنها تعتبره حريةً من قيد إنتظار النهاية؛ ها هي ذا أختارت النهاية.
أحب جدًا أن تبدأ النقاشات أو الخطابات بسؤال يثير فضولي، أحب أن يدفعني المُخاطب إلي التفكير دفعًا عن طريق طرح بعض الأسئلة حول الموضوع. بدأت سورة الإنسان بسؤال لو كان للجماد فضول لأثار فضوله:"هل أتي علي الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا؟". أين كُنت قبل أن تكون نطفة في رحم أمك؟ هل كنت شيئًا اصلاً؟ إنجازاتك و صفاتك و إنتصاراتك هل كان لها أية أثر عندما كنت طفلاً لا تفقه أي شيئ؟ من أعطاك الحياة؟ ثم جعلك تحيا؟
"إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا". بداية القصة تجيب علي السؤال الأول، فتوضح من أين أتي الإنسان و من وهبه الحياة، ثم في كلمة واحدة-و ذلك لبلاغة القرآن-توضح سبب خلقه و وهبه الحياة؛نبتليه أي نختبره.
بعد الفصل الأول في حياة الإنسان، يسير في وجهته، إحدي الوجهتين اللتان لا ثالث لهما، فيذكر الله في الآيات التي تليها نهاية القصة ليصبح الطريق جليّ لكل الناس:"إنا هديناه السبيل إما شاكرًا و إما كفورًا"، إذن البشر انقسموا إلي فريقين، هناك خطوط عريضة تُفرق بين الفريقين.
ثم تأتي نهاية القصة قبل إستئناف فصولها، فنهاية الفريق الأول:"إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجُها كافورًا" و إلي نهاية الآيات التي تتحدث عن حال أهل الجنة، أما الفريق الثاني فنهايته: "إنا أعتدنا للكافرين سلاسل و أغلالاً و سعيرًا".
أما عن بقية فصول قصة الفريق الأول، فيخاطبهم الله و يشير إلي ما يثبتهم علي فتن الحياة فيقول: *إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً*فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا*و اذكر اسم ربك بكرةً و أصيلاً*و من اليل فاسجد له و سبحه ليلاً طويلاً*، فالذكر و القرآن و الصلاة و الصبر هم من يثبتون المؤمنين في أزمنة المحن و الإختبارات شديدة الصعوبة و القسوة، و ذكر :"ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا" إشارة للتمسك بعقيدتك أمام تياراتهم القوية.
أما عن تفاصيل حياة الفريق الثاني:
"إن هؤلاء يحبون العاجلة و يذرون وراءهم يوًما ثقيلاً"، هذا الفريق يتغاضي عن وجود يوم القيامة ولا يضعه في حسبانه، منغمسٌ في ما يملك الآن بين يديه تارك خلفه يومًا وصفه سيد قطب وصفًا بليغًا:"يومًا ثقيلاً في ميزان الحقيقة".
أصدقائي الحيادية كذبة كبيرة مظهرها برّاق لكن لا حقيقة ولا وجود لها، الإنسان إما أن يكون من أهل الدنيا أو من أهل الآخرة، إما أن يؤمن بالله و بأركان الإيمان كلها بما فيها اليوم الآخر أو لا يؤمن بها، لا حياد، ولا وسط. و أنا علقتُ كثيرًا في محاولاتي للبحث عن الوسط، كان الأرق و اللامبالاة صديقاي المُقربين في رحلة بحثي عن معني للحياة، تمامًا كبطلة الرواية، شهور و ليالي طويلة أبحث، و كانت قصة حياة الإنسان تتلخص في سورة تتكون من ٣١ آية فقط، و لم أبصرها إلا عندما منّ الله عليّ بذلك.
تنتهي السورة بآخر مرحلة في حياة الإنسان: "يدخل من يشاء في رحمته و الظالمين أعدّ لهم عذابًا أليمًا"، و هنا انتهت قصة الإنسان التي بدأت بنطفة بعد ما لم يكن شيئًا مذكورًا أصلاً.
و قد كان إيجاد معني للحياة و تفسير لها أكبر نعم الله عليّ في الحياة، لأن رأسي كانت ستنفجر من كثرة التفكير، و ها هي سورة الإنسان تحكي قصة الإنسان كاملة، و تتيح لي الفرصة لأحيا مجددًا، فالله وهبني الحياة مرتين، مرة عندما ولدتني أمي، و مرة عندما عرفت السبب، و هو :"نبتليه"
أسألُ الله أن يدخلني في رحمته و إياكم.
Comments
Post a Comment