عند باب المسجد
هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نفقد فلانا، ونفقد فلانا، قال: انظروا هل تفقدون من أحد؟، قالوا: لا، قال: "لكني أفقد جليبيبا"
بعد إحدي الغزوات، كان الرسول(ص) يتفقد الصحابة، عندما لاحظ غياب جُليبيب، بعد أن أمر الرسول بالبحث عنه، وجده الصحابة إلي جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه.
كان جُليبيب فقيراً مُعدماً، ذو ثياب بالية، يأويه المسجد بين أركانه الدافئة عندما يحل الظلام و يهرع الناسُ إلي بيوتهم، لم يكن لجُليبيب سوي قلباً مُخلصاً آمن بالله و رسوله و عملاً صالحاً.
في يوم من الأيام دخل جُليبيب علي الرسول (ص)، فقال له الرسول:" أهلاً بمن خبرني به جبريل"، قال:"أو مثلي؟"، فقال:"خاملٌ في الأرض علمٌ في السماء".
المُجتمع عادةً ما ينقسمُ إلي طبقات، و قد ناقش العديد من علماء الإجتماع ظاهرة الطبقية، و لكن كيف ناقشها الإسلام؟ هل طبقة الفرد تؤثر علي رؤية الناس له؟
القرآن-يا أصدقائي-ناقش ظواهر حياتية عديدة، منها ظواهر طبيعية و منها ظواهر إجتماعية كالطبقية مثلاً. بالرغم من أن القرآن أقرّ الطبقية في الآية : {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} (الزخرف:32)، إلا أن الله و رسوله لم يُصنفوا الناس علي أساس طبقاتهم أبداً، بل يتعامل الإسلام مع الجانب الإنساني لكل فرد في الأمة، و عندما أقول الجانب الإنساني أعني به القلب، و قد ورد عن الرسول (ص) : "إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ"-رواه مسلم.
في إحدي محاضراتي في الجامعة، كان يقول لنا المُحاضر أننا يجبُ أن نشعر بالفخر لأننا ننتمي لأعلي طبقات المُجتمع لأننا سنحظي علي شهادة جامعية، عندما أنتهي من حديثه إذا بحديث الرسول (ص) يتردد علي مسامعي: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى"- صححه الألباني.
بعد إنتهائي من تلك المُحاضرة ذهبتُ للمسجد، إذا بي أجد كل الناس بين يد الله، عاملة النظافة بجانب الدكتورة الجامعية، لا فرق بينهما، فعلمتُ أن العنصرية في هذا المجتمع تنتهي عند باب المسجد، و في قلوب المؤمنين بالله حقاً.
برأيي أن من أبرز إحتياجات أي إنسان أن يراهُ من حوله كإنسان فقط، بدون أي تصنيفات، و قد أعطي الإسلام ذلك الحق للناس كافة، و لكن ليتهم يعلمون!
بعدما وُجد جُليبيب شهيداً لم يكن له فراش يأويه حتي يُحفر له قبراً، فوضعه الرسول علي ساعديه، حتي يُحفر له قبر، و قال رسول الله عنه بعد موته:"هذا مني و أنا منه"، إني أغبطُ جليبيب حقاً! وضعه الرسول بين ساعديه عندما لم يكن له فراش، و قال أنه منه عندما لم يكن لجُليبيب أحد!
أغادر المسجد و أنا أتُمتمُ سراً بكلمات الرسول لجُليبيب:"أنك عند الله لست بكاسدٍ"
و اسأل الله أن لا أكون عنده من الكاسدين..
Comments
Post a Comment