الأمل،ماذا بعد؟
الفقدُ -لا ريب- يعد من أكثر المشاعر إيلاماً، أكثرهم تأثيراً و تغييراً، الفقد يكسر قلبك، و يسمو بروحك و ينقيها و يُرقق قلبك، و لكن ماذا إذا كان شعور الفقد ذلك يشوبه بعض الأمل؟ هل للأمل و الفقد أن يلتقيان؟ إذا جسّمنا ذلك الأمل مع العلم أنه معنوي هل سيكون سُمّا قاتلاً أم علاجاً شافياً؟
قصتي اليوم عن أمرأة، تجلسُ علي الأريكة في بيتها كل يوم لسنوات، تنتظرُ خبراً واحداً، مكالمة تيليفونية أو رسالة أو حتي صورة، تُنصتُ جيداً إلي الباب،كلما طرق أحدهم الباب ظنته هو، و كم يُطرق الباب علي مدار خمس سنوات!
آخرُ ما جمعها به هو مكالمة تيليفونية، غاب عنها منذ وقتها، و لكن لم يغادرها أبداً.
بينما يغشاها ألم الفقد، ينتشلها أمل عودته من أعماق الألم، تتحول عاصفة القلق إلي نسمة هادئة، قد يمنعها الألم من النوم حين تُطفئ الناس أنوارها، و تغلق أبوابها، ظلامٌ كاحل، ثم يظهر الأمل كالبدر ينير السماء المظلمة، و يشفي الصدور، فتخلد إلي النوم. علي النقيض قد يوقظها الأمل أحياناً كثيرة، يقول لها: "أنه سيأتي الليلة لا محالة، سننتظره، مهما استوحشت الليالي"، فيمنعها عن النوم بفعلته هذه، و لكن يتجلي ألم الإرهاق في الوسط، فيغلبها النوم، صراعٌ لا ينتهي بين الأمل و الألم.
هل الأمل يقضي عليك عندما يوعدك بغدٍ أجمل؟ هو يوعدك به اليوم، و لكنك تغرق في ألم أمنياتك المُحطمة غداً، ينتشلُك اليوم من أحزانك، و يهوي بك غداً، هل الخطأ خطأك أم خطأه؟ هل الأمل ساحرةٌ طيبة كساحرة سندريلا، أم وحشٌ شرير؟ كيف للأمل أن يرفعك إلي أعلي القمم بوجوده، و أن يخسف بك الأرض عندما يغيب؟
إنني قد دققت و ذكرتُ العديد من الأمور، و لكن لم أذكر أن لتلك الأمور مقاليد، و أن تلك المقاليد بيد الله، أردتك صديقي القارئ أن تمر بكل ما ذكر سلفاً، أن تستشعره، أن تصل لأعمق نقطة فيه، لأنك عندما تصلُ لأعمق نقطة من نقاط اليأس و خيبة الأمل ثم تري كيف يبدل الله الأحوال، و تري لطف الله يغشاك من كل جانب، فقط عندها ستتكون عندك قناعة راسخة أن الأمل في الله وحده، ستوقن أنك لست تحت رحمة أحد من البشر.
يكون الأملُ داءً إذا كان في غير الله، و يكون دواءً إذا كان في الله، ستُخبرني أن الطريق طال، أقول لك ان محمد -ص- صبر أعواماً عديدة و أُخرج من موطنه و من ثم جاء الفرج، أقول لك أن نوح عليه السلام أنتظر فرج الله لما يقرب عن تسعمائة عام، و أن يعقوب عليه السلام صبر سنيناً طويلة علي فقد فلذة كبده، صديقي أنا أُقدر جيداً حجم ألمك، و لكن لا تكن فريسته، ولا تسمح له أن يكون وحشاً، أترك دموعك تفيض، ثم أنهض مُجدداً، و آمالاك مُعلقة علي باب الله فقط. إذا تحطمت آمالك، فهو خيرٌ لا محالة، لكنه ألم أيضاً لا فرار، و تلك نصيحتي الأخيرة لك، عليك أن تتقبل الألم و حتميته، و أن تعلم أن الألم يعلمك في أيامٍ ما لا تعلمك السعادة إياه في شهورٍ، و أن "عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ"
كذلك فعل الأمل بها، كما يفعل بنا جميعاً، لكن تأثيره عليها كان أقوي و أكبر، لأنها أُم، فقدت أبنها يوم مجزرة فض إعتصام رابعة العدوية، و مكانه غير معلوم حتي اليوم، لا تعلم إن كان في تعداد الأموات، أم مازال ينبض قلبه بالرغم من كل شيئ.
نظرتُ إليها بعد ما قصَّت عليّ قصتها، بأوصالٍ مُرتجفة ربتُ علي كتفها، و دعوتُ لها سراً، عسي الله أن يجمع الفقيد "عمر حماد" بأمه عاجلاً، و أن يطفئ نار الفقد المُنتشبة في قلبها، و أن يذهب عنها كل أمل زائف، و كل أمل في غير الله. أذكروه و أهله و كل المفقودين و الشهداء و المُعتقلين و الثكالي في دعائكم.
Comments
Post a Comment