الطفل،بداخلنا أم بالخارج؟

"لا أحد يحبني"
رأيت ذلك المنشور لصديق لي لم يبلغ اثنا عشر عاما، قرأت الجملة نفسها مئات المرات و الدهشة تعتريني، شعور الرفض أكثر المشاعر إيلاما، كيف 
يشعر به هذا الطفل؟ إن كان البالغون يعانون أشد العناء من هذا الشعور، فكيف وقعه علي صديقي الصغير؟
في الواقع، إن مشاعر البشر معقدة تعقيدا يصعب علي فهمه، لا أدري إن كان ذلك لأنهم لا يصفون  بصدق و دقة ما يشعرون به، أو لأنهم لا يعون أصلا ما يشعرون به ولا يستوعبونه، لا أدري، و لكن ما أعلمه يقينا هو أن الإنسان أكثر تعقيدا من أن يختصر في كلمات، أو في صور، و هذا ما يجعله جميلا و مميزا من وجهة نظري.
علاقة الإنسان البالغ بالطفل، رابط وثيق، تثير تعجبي، يفسرها البعض بأن نقاء و براءة الأطفال هو ما يجذب الكبار إليهم، لكني أري سببا آخر لهذه العلاقة القوية، أؤمن أن بداخل كل منا طفلا نتجاهله متعمدين تارة، رغما عنا تارة أخري، لأن "عالم الكبار" يقبل الأطفال و يحبهم حبا جما، و لكن لا يقبل الطفل الذي بداخلك، الذي يشعر بمشاعر فطرية بدائية بسيطة،و "طفولية" أيضا، كالشعور بالرفض عندما يعرض عنا من نحب، كالشعور بالخوف الغير مبرر أحيانا، يقول الناس أن تلك المشاعر غير منطقية، أقول أنا كيف لك أن تجد تحليلا منطقيا عقليا لمشاعر نابعة من قلبك الغير عقلي؟ إنها ليست فكرة سنتبادل فيها بعض الآراء، هذا شعور، صعب السيطرة عليه، صعب فهمه، سهل تقبله و التعامل معه.
 لذلك -من وجهة نظري- يفضل الناس الأطفال علي البالغين، لأنك إذا انهرت باكيا أمام طفل سيشاركك البكاء، لن يطلب منك أن تكف عن البكاء، لن ينعت تصرفك هذا الذي من الممكن أن يكون غير مبررا بالتصرف الطفولي، لأنه يعقد حاجبيه في إستياء عندما لا يعجبه شيئ، في حين أنك تكتم شعور الإستياء بدخلك كثيرا، لأنك لا يمكنك التعبير عنه، لأنه الصديق الوحيد للطفل الذي بداخلك، يحبه، يتقبله، لا يصدر عليه أحكاما، عندما تبكي لأنك شعرت بالرفض من أحدهم لن ينعتك  ب "الضعيف" او "الطفل"، لأنه هو أيضا يبكي عندما يشعر بالرفض، يجهر ببكاءه لأن فطرته السليمة لم تشوهها قواعد وضعها المجتمع للتعبير عن المشاعر، عجيب أن يقدر الأطفال مشاعر البشر أكثر منهم.
راسلت صديقي الصغير و أخبرته أنني أحبه و أنني أود أن أتحدث إليه عندما لا يود أحد، لأني لطالما تمنيت أن يخبرني أصدقائي البالغين ذلك، لكني لم أفصح لهم عن شعوري من البداية.

Comments

Popular posts from this blog

عن الحب

عن الحلم التنموي

هل الفن جميل أم تعبير؟